الإسلام والبيئة- رؤية الشيخ علي جمعة لحماية الجار والكون

المؤلف: عبدالله عمر خياط08.15.2025
الإسلام والبيئة- رؤية الشيخ علي جمعة لحماية الجار والكون

يقدم هذا الكتاب الموجز، الذي أعده فضيلة الشيخ الدكتور علي جمعة، المفتي السابق للديار المصرية، والصادر عن دار الوابل الصيب للإنتاج والتوزيع والنشر، رؤية متعمقة حول علاقة الإنسان ببيئته المحيطة. يتألف الكتاب من مائة وثلاثين صفحة، ويغوص في أعماق هذه العلاقة الشائكة، مستندًا إلى مفاهيم جوهرية مثل الخلافة في الأرض، وتسخير المخلوقات، والحقوق والواجبات المتبادلة، ومنهج البناء الحضاري، وأهمية المحافظة على البيئة ومحبتها. يستقي المؤلف مادته من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ويقدم في الوقت نفسه مفاهيم مبتكرة تثري النقاش حول هذا الموضوع الحيوي.

يحرص الشيخ المؤلف في كل فصل من فصول الكتاب على توثيق مصادره بذكر الحواشي والإحالات الدقيقة للنصوص التي اعتمد عليها. تأتي أهمية هذا الكتاب في هذا العصر الذي يشهد تزايدًا مطردًا في العبث بالبيئة، وتفاقمًا في مشكلات تلوث الهواء والضجيج وتراكم النفايات. إننا بأمس الحاجة إلى مثل هذه المؤلفات لتوعية مجتمعاتنا بالمنظور الإسلامي لحفظ البيئة ونظافتها، وتجنب الإسراف في استخدام مواردها، والامتناع عن إلحاق الأذى بالآخرين.

يوضح الكتاب، على سبيل المثال، أهمية الابتعاد عن إيذاء الآخرين، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه"، أي أذاه. هذا الحديث النبوي الشريف يؤكد على ضرورة تجنيب المسلم لجاره أي نوع من الشر أو الأذى. والجار هنا يشمل المسلم والكافر، والحر والعبد، والغني والفقير، والقريب والأجنبي، والقاصي والداني، والأفراد والجماعات، وجار السكن، وجار الصحبة، وجار الطريق، وجار العمل، وجار المسجد.

إنّ عموم لفظة "بوائقه" الواردة في الحديث تشمل كل أذى أو اعتداء يسبب تلوثًا أو تشويهًا في البيئة الإنسانية، سواء كان بصريًا أو ضوضائيًا أو إشعاعيًا أو هوائيًا أو غير ذلك. ويشمل الأذى المادي والمعنوي على حد سواء، مما يؤكد على أن حماية البيئة تبدأ أساسًا من حماية الجار وتوفير بيئة آمنة وسليمة له.

والجدير بالملاحظة أن الحديث النبوي لم يقتصر على النهي عن إيذاء الجار فحسب، بل أمر كذلك بتأمينه من الأذى، أي جعله يشعر بالراحة والاطمئنان وعدم الخوف في جوار المسلم، لأنه لا يتوقع منه أي شر على الإطلاق. ولن يتمكن المؤمن من تحقيق هذه الغاية إلا من خلال مداومته على تقديم الخير والسلام لجيرانه.

ومن بين صور الإيذاء المنهي عنها والتي تتسبب في تلوث بصري، كتابة الشعارات وتعليق الصور والإعلانات على جدران البيوت والمحلات دون الحصول على إذن أصحابها، فهذا السلوك يعتبر تعديًا صارخًا على ملكية الغير، فالخارج هنا كالداخل، كلاهما تابع ومكمل له.

وإذا كان هذا هو الحال بالنسبة للأفراد، فكيف يكون حال الدول التي تقوم بإنتاج الطاقة النووية وتسعى جاهدة لدفن النفايات الإشعاعية الناتجة عن عمليات التصنيع في أراضي جيرانها، دون الحصول على موافقتهم، أو بإجبارهم على القبول بالأمر الواقع بالقوة؟

وتأكيدًا على أهمية محاسبة النفس ومراقبة الذات، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره}.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة